ألمانيا تتجاوز نظيراتها.. أتاحت للاجئيها السوريين ملاحقة جلاديهم

Syrian defendant Eyad Al-Gharib hides his face as he arrives to his hear his verdict in a court room in Koblenz, Germany, Wednesday, Feb. 24, 2021. A German court has convicted the former member of Syrian President Bashar Assad’s secret police of facilitating the torture of prisoners in a landmark ruling that human rights campaigners hope will set a precedent for other cases. (Thomas Lohnes/Pool Photo via AP)
الموظف السابق في المخابرات السورية إياد الغريب يخفي وجهه أثناء محاكمته في مدينة كوبلنز في فبراير 2021 (أسوشيتد برس)
الموظف السابق في المخابرات السورية إياد الغريب يخفي وجهه أثناء محاكمته في مدينة كوبلنز في فبراير 2021 (أسوشيتد برس)

لم يكن يوم الثلاثاء 30 سبتمبر/أيلول 2014 يشبه باقي الأيام في حياة السوري اللاجئ حديثا إلى ألمانيا. في عصر ذلك اليوم الخريفي غادر الرجل، ويدعى أنور البني مع زوجته مسكنه داخل مخيم مارينفيلده للاجئين، حيث يقيمان منذ وصولهما إلى العاصمة برلين، بغرض التسوق من متجر قريب، يبيع بضائع تركية.

وبينما كان يهم بالخروج من المسكن، لفت نظر البني مرور شخص قادم من الجهة المقابلة، اشتبه بأنه سبق أن رآه في مكان ما، خصوصا أنه ألقى عليه التحية. فهمس في أذن زوجته قائلا -حسب روايته لصحيفة غارديان البريطانية وللجزيرة نت- "إنني أعرف هذا الرجل، لكنني لم أستطع تذكره جيدا". بعد مرور أيام قليلة، نسي خلالها أمر الرجل، فوجئ البني بصديق له يسأله بصيغة تبليغ "ألم تعرف أن أنور رسلان يقيم معكم في مخيم مارينفيلده؟".

يقول البني الذي صعقه سماعه اسم رسلان "عندها أدركت الأمر". لتبدأ مع لحظة الإدراك تلك، أولى حلقات مسار قضائي طويل نجح لغاية الآن، باصطياد 3 من رجال المخابرات السورية و2 من المليشيات الموالية، كانوا قد دخلوا ألمانيا بصفة طالبي لجوء، ومقاضاتهم تاليا على الجرائم التي ارتكبوها خلال الحرب، عملا بمبدأ "الولاية القضائية العالمية" الذي يسمح لدولة ما بمقاضاة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية، بغض النظر عن جنسياتهم أو أماكن وقوع جرائمهم.

الأنوران

بيد أن الحيثية الرئيسية التي أتاحت وضع قطار الملاحقات القضائية، على سكّته الألمانية المستندة إلى الولاية القضائية العالمية، تلخصت في كون البني في الأصل محاميا وناشطا حقوقيا وسياسيا سوريا، مناهضا لنظام الرئيس بشار الأسد. وقد سبق له أن أمضى ما مجموعه 10 سنوات من عمره في سجونه، آخرها كان بين عامي 2006 و2011، قبل لجوئه إلى ألمانيا عام 2014 هربا من ملاحقات النظام. أما أنور رسلان فهو عقيد سابق في جهاز المخابرات سبق أن عمل 18 سنة متواصلة في خدمة هذا الجهاز، وتولى رئاسة الفرع 251 الذي كان البني معتقلا فيه، قبل أن يختار الفرار إلى الأردن نهاية عام 2012، ثم ينتقل بعدها إلى ألمانيا في عام 2014، بصفة طالب لجوء.

لكن الإيقاع برسلان ورجال مخابرات سوريين آخرين، ممن مارسوا الانتهاكات والتعذيب والقتل، قبل انتقالهم إلى ألمانيا ما كان ليتحول إلى حقيقة، لولا تضافر عدة عوامل قضائية وإجرائية، سيؤتى على ذكرها في سياق هذا التحقيق.

Joint plaintiffs are seen at the courtroom prior to the start of the first trial of suspected members of Syrian President Bashar al-Assad's security services for crimes against humanity, in Koblenz, Germany, April 23, 2020. Thomas Lohnes/Pool via REUTERS
هيئة قضاة تعقد أولى جلساتها للنظر في جرائم ضابط سابق في مخابرات الأسد في مدينة كوبلنز في أبريل 2022 (رويترز)

كما أن "صدفة مخيم مارينفيلده " لم تكن وحدها، لتتيح لضحايا التعذيب من طالبي اللجوء إلى ألمانيا، ملاحقة جلاديهم أمام محاكم ألمانيا، لولا مبادرة هذه الدولة الأوروبية قبل غيرها، بتعديل قانون العقوبات الساري لديها، مع مبادئ القانون الدولي ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يمثله "القانون الجنائي الدولي"، والذي أقرته المحكمة في 26 يونيو/حزيران 2002، ودخل حيز التنفيذ في ألمانيا في 30 يونيو/حزيران من العام ذاته. وهو يسمح للقضاء الألماني قبول البت في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي، حتى لو لم يتم ارتكابها في ألمانيا، أو لم يكن الألمان طرفا فيها.

المبادرة الألمانية

استنادا إلى التعديلات، كانت ألمانيا الدولة الأوروبية الأولى التي تفتح تحقيقا هيكليا في الجرائم التي حدثت في سوريا بعد عام 2011 بتأثير صور "قيصر" وهو ما كررته في عام 2014 بعد بروز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). كان هذان التحقيقان أساس البدء في جمع المعلومات حول الجرائم التي ارتكبت في سوريا، ثم في سوريا والعراق سواء من قبل قوات النظام، أو التنظيمات الجهادية، وخصوصا تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وجبهة النصرة.

بموجب هذين التحقيقين، طلب من مكتب الهجرة -الذي يمثل أول نقطة احتكاك بين اللاجئ والسلطات الألمانية- تبادل المعلومات مع الشرطة حول لاجئ معين. وفور توصل أحد الموظفين في مكتب الهجرة لمعلومات قد تشير إلى صلة اللاجئ بجرائم حرب ضد القانون الدولي، يتم نقل هذه المعلومات إلى الشرطة، التي تنقل بدورها هذه المعلومات إلى الشرطة الجنائية الاتحادية، قبل تحليلها وإرسالها إلى الادعاء العام.

مجلة دير شبيغل لاحقت وقائع فضيحة منح حق اللجوء لطالبي لجوء يمثلون خطرا محتملا على الأمن  (شترستوك)

بدورها، كانت الصحافة وخصوصا مجلة "دير شبيغل" الشهيرة بالمرصاد لأي خروقات أو تلاعب بالقوانين المتعلقة باللجوء إلى ألمانيا. ففي 19 مايو/أيار 2018 مثلا نشرت تقريرا على موقعها يتضمن وقائع فضيحة تورط فيها موظفو مكتب اللجوء في ولاية بريمن بعدما مكنوا أشخاصا من الحصول على حق اللجوء في ألمانيا، على الرغم من أنهم يشكلون "خطرا محتملا على الأمن". وأشار التقرير إلى أنه "حين طلب أحد الأشخاص السوريين الحماية في بريمن، وتقدم بطلب لجوء، ذكر فيه أنه كان يعمل في سوريا لصالح جهاز المخابرات، لكنه لم يتم إعلام خبراء الأمن في الدائرة بهذا الأمر وفقا للقواعد المعمول بها".

الأدلة والشهود

كان توفر هذه الآليات الحكومية والرقابية من أسباب اندفاع البني وحقوقيين آخرين، وسعيهم لملاحقة رسلان وأمثاله من رجال المخابرات السورية السابقين، الذين وصلوا إلى ألمانيا ضمن 700 ألف سوري لجؤوا إليها، منذ اندلاع الحرب في بلادهم مطلع عام 2011. أما الخطوات العملية، فيقول البني بشـأنها في مقابلة مع "دويتشه فيله" نشرت في 29 سبتمبر/أيلول 2021 "إذا تقدم شخص بشكوى إلينا في هذا الخصوص فنحن نتحقق من الموضوع، ثم نرفع القضية، عند وجود أدلة، إلى الادعاء العام"، مشيرا إلى أن المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان "إي سي سي إتش آر" (ECCHR) ومقره برلين، يساعدهم في صياغة القضايا بحسب القوانين الأوروبية".

كان همّ البني ونظرائه من الحقوقيين، في البداية، هو العثور على شهود من بين اللاجئين السوريين، مستعدين للإدلاء بشهاداتهم أمام المحاكم. وهو ما تحقق في الثاني من مارس/آذار 2017. فبتشجيع منه ومن المحامي مازن درويش والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان "إي سي سي إتش آر" (ECCHR) رفع 7 لاجئين سوريين -بينهم عبير فرهود وزوجها خالد- دعاوى قضائية ضد مسؤولين في المخابرات العسكرية السورية بتهمة التعذيب وانتهاك حقوق الإنسان، بعد أسبوع من تقديمهم شهادات أمام القضاء الألماني. وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني من العام ذاته تقدم 13 معتقلا سابقا في السجون السورية بشكوى مماثلة أمام النائب العام الاتحادي الألماني ضد أجهزة أمن ومخابرات سورية، على خلفية تعرضهم للتعذيب وانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وارتكاب جرائم حرب في معتقلي "صيدنايا"، بالقرب من دمشق، وسجن "المزة" في دمشق.

13 شاهد إثبات سوري أتاحوا للإدعاء الألماني فتح الملف

The defendant, Anwar Raslan, right, stands in the courtroom before the pronouncement of the verdict at the Higher Regional Court in Koblenz, Germany, Thursday, Jan. 13, 2022. A German court has convicted the former Syrian secret police officer of crimes against humanity for overseeing the abuse of detainees at a jail near Damascus a decade ago. The verdict Thursday in the landmark trial has been keenly anticipated by Syrians who suffered abuse or lost relatives in the country's long-running conflict. (Thomas Frey/Pool via AP)
أنور رسلان مدير فرع المخابرات السورية السابق 251 أثناء مثوله أمام محكمة كوبلنز في يناير 2022(أسوشيتد برس)
أنور رسلان مدير فرع المخابرات السورية السابق 251 أثناء مثوله أمام محكمة كوبلنز في يناير 2022(أسوشيتد برس)

أنور وإياد

ظهرت أولى ثمار التحقيقات الألمانية المعتمدة على مساعي الجماعات الحقوقية يوم الأربعاء 13 فبراير/شباط 2019، عندما أمر الادعاء العام الألماني بالقبض على السوريين أنور رسلان (56 عاما) وإياد الغريب (42 عاما) في ولايتي برلين وراينلاند بفالتس، بسبب قيامهما بعمليات تعذيب جماعي وانتهاكات بدنية بحق معارضين، الأمر الذي يتعلق بالاشتباه في ارتكاب المتهمين لجرائم ضد الإنسانية. وتم إيداع الرجلين في الحبس الاحتياطي تمهيدا لمحاكمتهما.

فوفقا لسلطات اللجوء والشرطة الألمانية التي أدلت بشهادتها في المحكمة، اعترف إياد الغريب في مقابلة مع سلطات اللجوء عام 2018 بوجود صلة بينه وبين جهاز المخابرات، قائلا إنه كان شاهدا على الاعتداءات دون المشاركة فيها. وفي استجواب للشرطة، اعترف الغريب بأنه تورط في اعتقال 30 متظاهرا، ونقلهم من مدينة دوما إلى فرع المخابرات 251، مقرا أنه كان شاهدا على سوء معاملتهم، الأمر الذي دفع الشرطة إلى فتح تحقيق. أما بالنسبة لأنور رسلان، فقد أفاد المحققون بأنه قدم في عام 2015 شكوى لدى الشرطة في برلين، زعم فيها بأنه مراقب من قبل المخابرات السورية. وبعد اعترافه بأنه سبق له العمل في المخابرات العامة السورية، تم فتح تحقيق ضده.

وخلال سير المحاكمة التي استغرقت 108 جلسات، اتهم الادعاء الألماني أنور رسلان بالإشراف على تعذيب محتجزين في مركز الخطيب التابع لإدارة المخابرات العامة المعروف أيضا باسم "فرع 251". وأشارت الأدلة التي قدمها الادعاء العام والشهود، إلى أن رسلان أصبح عام 2011 رئيسا لقسم التحقيقات في فرع 251، وأنه أشرف بين أبريل/نيسان 2011 وسبتمبر/أيلول 2012 على تعذيب 4 آلاف شخص، وعلى 58 جريمة قتل، إضافة إلى عمليات الاغتصاب والاعتداء الجنسي. وفي يوليو/ تموز من عام 2022، قدم محامو الضحايا طلبا ثانيا شمل اتهام رسلان بتهمة ارتكاب جريمة الإخفاء القسري.

وحددت المحكمة التهم الموجهة لإياد غريب بالقول إنه عمل في المخابرات السورية 16 عاما (من 1996 إلى 2012) وعمل في القسم 40 من فرع المخابرات 251، أي في القسم الذي ترأسه أنور رسلان وساعد في نقل 30 متظاهرا من دوما إلى فرع المخابرات 251 حيث تعرضوا للتعذيب، الأمر الذي اعترف به المتهم.

وفي فبراير/شباط 2021  أدانت محكمة مدينة كوبلنز الغريب -الذي كان قد وصل إلى ألمانيا في أبريل/ نيسان 2018- بتهمة المساعدة والتحريض على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وحكمت عليه بالسجن 4 سنوات، انقضت فعليا في سبتمبر/أيلول 2023. أما رئيسه أنور رسلان فأصدرت المحكمة ذاتها في العام التالي أي في يناير/كانون الثاني 2022 عليه حكما بالسجن المؤبد، بعد إدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقعت في الفرع 251 ما بين 29 نيسان/أبريل 2011 والسابع من أيلول/ سبتمبر 2012. علما أنه -وللمفارقة- كان رسلان قبل فراره مع أسرته من سوريا إلى الأردن نهاية عام 2012، قد انضم للمعارضة، التي احتفت به كمنسق ذي رتبة رفيعة، لدرجة أنه في عام 2014، كان جزءا من وفدها في محادثات جنيف، التي بحثت مستقبل سوريا.

Syrian defendant Eyad Al-Gharib hides his face as he arrives to his hear his verdict in a court room in Koblenz, Germany, Wednesday, Feb. 24, 2021. A German court has convicted the former member of Syrian President Bashar Assad’s secret police of facilitating the torture of prisoners in a landmark ruling that human rights campaigners hope will set a precedent for other cases. (Thomas Lohnes/Pool Photo via AP)
إياد الغريب يخفي وجهه لدى وصوله في 24 فبراير 2021 إلى محكمة كوبلنز (أسوشيتد برس)

موفق

وفي ملف آخر أصدرت محكمة في العاصمة برلين في نهاية فبراير/شباط 2023  حكما بالسجن مدى الحياة على عضو سابق في مليشيا موالية لنظام الأسد، لتسببه في مقتل 4 مدنيين على الأقل، في هجوم شنه بمخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بضواحي دمشق. وأشير إلى اسم المدان أنه موفق د، وهو من أصول فلسطينية، كان عضوا في "حركة فلسطين حرة"، التي تأسست في سوريا منذ سنوات، ونشأت خلال الحرب ذراعا عسكريا للدفاع عن النظام في وجه المعارضة السورية، كما نشط سابقا في الجبهة الشعبية–القيادة العامة التي كان يقودها الراحل أحمد جبريل. وكان موفق، حسب تأكيدات المحكمة، هو المكلف بنقطة تفتيش تدخل عبرها المساعدات الغذائية لمخيم اليرموك، وقد تكون دوافعه هي الانتقام لمقتل ابن أخيه قبل يومين من إطلاقه النار على المدنيين، على أيدي المعارضة السورية المسلحة.

علاء وأحمد

مقابل إغلاق ملفات رسلان والغريب وموفق.د بإصدار أحكام غير مسبوقة في ألمانيا بحقهما، يواصل الادعاء الألماني والناشطون الحقوقيون تتبع مسار قضايا أخرى تتصل بالحرب السورية لا يقل عددها عن 50. أبرزها قضية ما زالت قيد النظر تعود لطبيب يدعى علاء الموسى. ففي 20 يونيو/حزيران الماضي أوقف الطبيب المذكور في ولاية هيسن. وفي 28 يوليو/تموز 2021 وجه الادعاء العام الألماني له تهما بارتكاب جرائم قتل وجرائم ضد الإنسانية، على خلفية الاشتباه في ارتكابه بين عامي 2011 و 2012 ممارسات تعذيب، أثناء عمله كطبيب في مستشفيين عسكريين وسجن تديره المخابرات العسكرية.

وكانت آخر جلسات المحاكمة المستمرة للطبيب علاء موسى قد عقدت في نهاية يونيو/حزيران 2023 ووجهت له خلالها تهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والقتل، وتحديدا تعذيب معتقلين في 18 حالة وقتل أحدهم في مستشفى عسكري في حمص بين عامي 2011 و2012.

وكان الطبيب البالغ من العمر (38 عاما) قد وصل إلى ألمانيا بتأشيرة سفر، وهو أب لطفلين وعمل بناء على شهادته أمام المحكمة طبيبا في مستشفى مقابل 12 ألف يورو (بعد دفع الضرائب) في الشهر، وقال أمام المحكمة أنه كان خائفا من فقدان هذا النمط الحياتي.

ومن بين التهم الموجهة للطبيب كانت دلق الكحول على الأعضاء التناسلية العارية لأحد القاصرين وإشعال النار في الكحول والتنكيل بالمعتقلين من خلال ضربهم وركلهم وتعذيبهم وإجراء العمليات دون تخدير. ومن أبرز الدلائل التي استخدمها الادعاء العام ضد علاء موسى كانت صور (قيصر) التي التقطها مصور وثق جرائم الشرطة في المستشفيات العسكرية، وهرب في عام 2014 إلى خارج سوريا.
وقالت جمانة سيف مستشارة برنامج ملاحقة الجرائم الدولية لدى المركز الأوروبي للحقوق الدستورية والإنسانية للجزيرة نت أن الحقائق والشهادات التي قدمت في هذه القضية مؤلمة، لكنها مهمة لأنها توضح أن من ارتكب الجرائم لم يكن الجيش وأجهزة الأمن، بل "حتى الأطباء مارسوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وضد المرضى وبطرق بشعة جدا".

A view of an unidentified Syrian doctor after he was led into the security room of the Higher Regional Court, in Frankfurt, Germany, Wednesday, Jan. 19, 2022. A court in Germany will begin hearing a case against a Syrian doctor accused of crimes against humanity for torturing and killing inmates at a government-run prison in his home country. Federal prosecutors say the doctor worked at a military intelligence prison in the Syrian city of Homs from April 2011 until late 2012. Prosecutors accuse him of killing one person and torture in 18 cases. (Boris Roessler/Pool Photo via AP)
الطبيب علاء موسى أثناء مثوله أمام المحكمة في فبراير 2022 (أسوشيتد برس)

أما أحدث القضايا المرفوعة أمام القضاء الألماني فسجلت في الثالث من آب/أغسطس 2023، بناء على اشتباه الادعاء الألماني بارتكاب أحمد. ح، وهو مواطن سوري، جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب عن طريق التعذيب والسخرة بين عامي 2012 و2015. وقال ممثلو الادعاء الألماني في بيان إن أحمد ضالع في عمليات ضرب مدنيين بشكل وحشي فضلا عن واقعتين في 2012 و2015 أجبر فيهما معتقلين على العمل تحت تهديد السلاح ودون ماء أو طعام. وكان المذكور حسب مذكرة الادعاء قائدا في حي التضامن الدمشقي لمن تسمى مليشيا الشبيحة التي ساعدت حكومة الرئيس بشار الأسد في حملتها الدموية في أعقاب انتفاضة عام 2011. وكان أحمد ح، قد أوقف في مدينة بريمن بشمال البلاد بموجب مذكرة توقيف صادرة في حقه في 26 تموز/يوليو 2023. ومثل أمام قاض أمر بحبسه احتياطا.

الشبيحة
لوحة تتضمن إشارة إلى وجود حاجز قريب لشبيحة النظام (الجزيرة)

ماذا بعد؟

لم يكل أو يمل أنور البني ورفاقه من الناشطين الحقوقيين السوريين المقيمين في ألمانيا ودول أوروبية أخرى. وهو إن كان قد أشار له في تصريحات صحفية سابقة قائلا إن نحو ألف سوري "متورطين في جرائم ارتكبها النظام السوري" موجودون في أوروبا حاليا "بدون أن يساورهم القلق". لكنه في حديث للجزيرة نت أكد مطمئنا أن 4 ملفات إضافية فتحت في ألمانيا لمشتبهين بارتكاب جرائم حرب، وملفا في بلجيكا التي شرعت الولاية العالمية واثنين في هولندا وواحدا في فرنسا واثنين في السويد.

من جهتها، أبدت جمانة سيف مستشارة برنامج ملاحقة الجرائم الدولية لدى المركز الأوروبي للحقوق الدستورية والإنسانية، ارتياحها لمضي النمسا والنرويج والسويد وفرنسا قدما، في ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية في سوريا. لكنها عبرت في تصريح للجزيرة نت عن خشيتها من "القيود التي يمكن أن تضبط ما أسمتها "الولاية العالمية المفتوحة" في دول مثل النمسا وإسبانيا.

فريق العمل:

إعداد وتحرير: محمد العلي، ناصر جبارة

فيديوهات: قسم الوسائط

المصدر : الجزيرة